بِسمِ ﷲ والحۡمۭدُ لِڶہ والصلاة والـصــلاۃُ ۄٰالــســلامُۭ على رسول الله ﷺ ….. وبعد
أحبائي زوار الموقع الرسمي للشيخ / محمد شحاتة
إن الإقبال على عظيم المهام يحتاج إلى قوة الإعداد وإلى عزيمة وإرادة قوية ، وعندما تقبل على رسالة من عظيم من عظماء أهل الدنيا فإن جميع حواسك تنتبه لأنك تعتبر أن أهمية الشخصية تجعل قيمة الرسالة إذ أن قيمة الرسالة من قيمة مرسلها – ولله المثل الأعلى – نجد كلام الله تعالى بين أيدينا (القرآنۨ الــكَــڕٻۧــمۭ) وهو رسالة الله إلينا ونجد داخل القرآن المجيد آداب تلاوته ومن تلك الآداب الاستعاذة قبل تلاوة القرآن الكريم ، والاستعاذة معناها أن يقول العبد :
(أﻋۆذُ ﺑاﻟلهِ ﻣِنَ اﻟشَـﯾطَانِ اﻟرَجِيم)
وردت الاستعاذة في القرآن الكريم خمس مرات وهي :ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- سورة آل عمران في الآية رقم 36 قال تعالى : (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (36)
2- في سورة في الآية رقم 200 قال سبحانه : ( وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (200)
3- سورة النحل في الآية رقم 98 قال جل شأنه : (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (98)
4- في سورة المؤمنون في الآية رقم 97 يقول عز وجل : ( وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ) (97)
5- في سورة فصلت في الآية رقم 36 قال ربنا : ( وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)
قال صاحب المفردات : ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العوذُ هو الالتجاءُ إلى الغيرِ والتعلقُ به يُقالُ عاذَ بفلانٍ ومنه قوله تعالى (أعوذُ باللهِ أن أكونَ من الجاهلين) [البقرة:67] (وإني عذتُ بربي وربكم أن ترجمون) [الدخان:20] (وقل أعوذُ بربِ) [الفلق:1، الناس:1] …..وقوله: (معاذَ اللهِ) [يوسف: 23،79] أي نلتجئ إليه ونستننصرُ به أن نفعلَ ذلك سُوءٌ نتحاشى من تعاطيه .
وفي الحكمة من الاستعاذة قبل قراءة القرآن الكريم قال الإمام ابن كثير – رحمه الله تعالى – عن قوله سبحانه في سورة النحل : (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) (هذا أمرٌ من الله تعالى لعبادِهِ على لسان رسوله ﷺ : إذا أرادوا قراءة القرآن ، أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم …إلى أن قال رحمه الله تعالى : (والمعنى في الاستعاذةِ عند ابتداء القراءةِ ، لئلا يُلبَسً على القارئِ قراءتُهُ ويُخلَطَ عليهِ، ويمنَعُهُ منَ التدبرِ والتفكرِ، لهذا ذهب الجمهور إلى أن الاستعاذةَ إنما تكونُ قبل التلاوةِ)
من فوائد الاستعاذة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويذكر الإمام ابن القيم بعضاً من فوائد الاستعاذة نختصرمنها ما يلي :
1- القرآن شفاء لما في الصدور يذهب لما يلقيه الشيطان من الوساوس والشهوات والإرادات الفاسدة لذلك كانت الاستعاذة والقلب خالي من كل ما يضاده فيؤثر فيه ولذلك الاستعاذة تجعل فاءدة القرآن تعمل في القلب .
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى***فصادف قلبا خاليا فتمكنا .
2- القرآن مادة الهدى والعلم والخير في القلب ، كما أن الماء مادة النبات ، والشيطان نار يحرق النبات أولا فأول ولذلك الاستعاذة تجعل خير القرآن يبقى في القلب ويثبت ولعل من قال بأن الاستعاذة إنما تكون بعد التلاوة لاحظ هذا وهو ملحظ جيد إلا أن السنة على الاستعاذة قبل التلاوة وبها يحصل الأمرين.
3- في الاستعاذة إبعاد للشيطان حتى تنزل الملائكة كما نزلت عند تلاوة الصحابي الجليل أسيد بن حضير – رضي الله عنه – وقال له النبي ﷺ “تلك الملائكة” .
4- إن المقصود من تلاوة القرآن هو تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد به المتكلم به سبحانه ، والشيطان لا يريد حصول هذه الفائدة العظيمة للتلاوة فيقبل بخيله ورجله وفائدة الاستعاذة أن ينتفع القارئ بتلاوته بالتدبر والفهم ، وكلما كان الفعل أنفع للعبد وأحب إلى الله تعالى كان اعتراض الشيطان له أكثر ، فالشيطان بالرصد للإنسان على طريق كل الخير .
وقال منصور عن مجاهد – رحمه الله – : “ما من رفقة تخرج إلى مكة إلا جهز معهم إبليس مثل عدتهم” رواه ابن أبي حاتم في تفسيره ، فأمر سبحانه العبد أن يحارب عدوه الذي يقطع عليه الطريق ويستعيذ بالله تعالى منه أولاً ، ثم يأخذ في السير ، كما أن المسافر إذا عرض له قاطع طريق اشتغل بدفعه ، ثم اندفع في سيره .
5- ومنها التهيئة النفسية لأن الاستعاذة قبل القراءة عنوان وإعلام بأن المأتي به بعدها القرآن ، ولهذا لم تُشرع الاستعاذة بين يدي كلام غيره، بل الاستعاذة مقدمة وتنبيه للسامع أن الذي يأتي بعدها هو التلاوة، فإذا سمع السامع الاستعاذة استعد لاستماع كلام الله تعالى، ثم شرع ذلك القارئ، وإن كان وحده . انتهى كلام ابن القيم باختصار وتصرف شديدين .
ونتابع فوائد الاستعاذة مع الإمام الطاهر بن عاشور- رحمه الله تعالى – حيث يقول :
(وإنما شُرعت الاستعاذةُ عند ابتداء القراءة ، إيذاناً بنفاسة القرآنِ ونزاهته ، إذ هو نازلٌ من العالم القدسي المَلَكي ، فجعل افتتاح قراءته التجردِ عن النقائصِ النفسانيةِ التي هي من عمل الشيطان ، ولا استطاعةُ للعبد أن يدفع تلك النقائصَ عن نفسه إلا بأن يسأل اللهَ أن يُبعدَ الشيطانَ عنهُ بأن يعوذَ باللهِ ؛ لأن جانبَ الله قدسيٌ لا تَسلُكُ الشياطينُ إلى ما يَأوي إليه ، فأرشدَ اللهُ رسولَهُ إلى سؤالِ ذلك وضَمِنَ له أن يُعيذَهُ منهُ، وأن يُعيذَ أمته عوذاً مناسباً ، كما شُرعت التسميةُ في الأمورِ ذوات البالِ، وكما شُرعت الطهارةُ للصلاة ).أهـ
لماذا لم يشرع لهذه الأمور كلمة باسم الله ؟
يجيب عن ذلك الإمام ابن عاشور فيقول :
( لم تشرع لذلك كلمة باسم الله ؛ لأن المقام مقام تخلٍ عن النقائص لا مقامُ استجلابِ التيمنِ والبركةِ ؛ لأن القرآن نفسَهُ يُمنٌ وبركةٌ، وكمالٌ تامٌ، فالتيمنُ حاصلٌ، وإنما يُخشى الشيطان أن يغشى بركاته فَيُدخِلَ فيها ما يُنقِصُها أهـ .)
بعد هذا التطواف السريع في أهمية الاستعاذة قبل التلاوة لابد وأن تتفكر مع نفسك إلى من تلتجئ ؟
إنك تلتجئ إلى مالك الملك صاحب القوى والقدر إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ، لذلك فاستعذ بعزم ويقين في رب العالمين فتكون لك فوائد الاستعاذة .
وأخيراً :
إن الآداب على مائدة القرآن الكريم ليست مجرد كلمات بل هي معاني إيمانية نحياها عند تذوق عطاياها وكل ذلك مرتبط بلحظات من التدبر والتفكر .
والحمد لله رب العالمين
كتبه الشيخ/ ﷴ شِحَٱٺَۃ
ومن أراد الزيادة فليستمع إلى هذا المقطع :
من لطائف المعاني في الاستعاذة للشيخ / محمد شحاتة
من المصادر:
ــــــــــــــــــــــــ
1- معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم للأصفهاني.
2-تفسير القرآن العظيم لابن كثير.
3- تفسير التحرير والتنوير للإمام الطاهر بن عاشور.
4- تفسير الإمام ابن القيم.
No responses yet